للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أكثرَ في ذلك شعراؤُهُم ومنه قال بعضُهم (١):

أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ الْمُصَلَّى مَكَانَهُ ... وَأَنَّ الْعَقِيقَ ذَا الظِّلَالِ وَذَا الْبَرْد

وَأَنَّ بِهِ لَوْ تَعْلَمَانِ أَصَائِلًا ... وَلَيْلًا رَقِيقًا مِثْلَ حَاشِيَةِ الْبُرْد

تقولُ: لَا أذًى عِندهُ ولَا مَكروهٌ، كمثلِ هذه اللَّيلةِ التي ليس فيها حرٌّ ولا بردٌ ولا ريحٌ؛ لأنَّ في الرِّيحِ والحرِّ والبردِ أذًى إذا اشتدَّ.

وتقولُ: لا عِندهُ غائلةٌ ولا شرٌّ فأخافُهُ، ولا يسأمُنِي ولا يستثقِلُنِي؛ فيملُّ صُحبتي، ويكون هذا معنى قولِها: «ولَا وَخَامَة».

أو يرجعُ قولُها: «ولَا وَخَامَة» إلى صفةِ ليلِ / تِهامةَ؛ لأنَّ بلادَ تِهامةَ وأشرافَ بلادِ الحجازِ ونجدٍ صحيحةُ الهواءِ، غيرُ وخِمَةٍ، ولا وبيئةٍ.

وقد يكونُ قولُها: «ولَا وَخَامَة»، أي: أنَّه- تعني زوجَها- ليس فيه ثِقَلٌ ولا فَدَامَةٌ (٢)، بلْ هو حُلْوُ الشَّمائلِ، خفيفٌ على المُصاحَبِ، مُسْتَلانُ الجانبِ.

وقولُها في الرِّوايةِ الأخرى: «ولَا يخافُ خلفَهُ، ولا أمَامَهُ»، قال ابنُ الأنبارِيِّ: تُريدُ أنَّ بلدَ تِهامةَ لا يخافُ أهلُهُ مِنْ أمامِهِم وَلَا مِنْ خَلفِهِم؛ لِتَحَصُّنِ أهلِهِ بالجبالِ. /

ويحتملُ عندي / أنْ تُردَّ: «خلفَهُ» و «أمَامَهُ» على زوجها، أي أنَّه مأمونٌ،


(١) البيتان من الطويل، ونسب ابن قتيبة الثاني منهما لابن كُناسة الأسدي، ينظر: «عيون الأخبار» (١/ ٢١٨)، و «الدلائل في غريب الحديث» (٣/ ١٠٠٩)، و «البصائر والذخائر» (٨/ ٨٧).
(٢) الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم. «لسان العرب» (فدم) (١١/ ١٤٢).

<<  <   >  >>