التَّاسِعةِ، فلا شيءَ أسْلَسَ من / كلامِها ولا أرْبَطَ من نِظامِها، ولا أطْبَعَ
/ من سجعِها، ولا أغْرَبَ من طبعِها، وكأنَّما فِقَرُها مُفرغةٌ في قالَبٍ واحدٍ، ومَحْذوَّةٌ على مثالٍ مُتوارِدٍ، ثمَّ مَدَّتْ نفسَها في الفِقرةِ الرَّابعةِ، فأطالتْها شيئًا؛ اسْتِرواحًا للخُروجِ، وإشارةً للقطعِ، وهذا حكمُ الأسجاعِ، فإنَّها تحتاجُ إلى تقديرٍ، ويُكرَهُ فيها التَّطويلُ، فإنْ وقعَ في أوَّلِ / فِقرةٍ منَ الفِقرتين كانَ عِيًّا، وخرجَ عنْ حدِّ البلاغةِ، وتخاذَلَ به الكلامُ، وهو في آخرِ الفِقرتَين غيرُ مَعيبٍ، بل ربَّما جاء مُستحسَنًا. لاسيَّما إنْ توالتْ الفِقَرُ على سجعٍ واحدٍ، وجاءتْ على تقديرٍ مُتعاضِدٍ، فالخروجُ / مِن آخرِها بعد زيادَةٍ فيها على تقدِيرِ أخواتِها أحسنُ في السَّجعِ، وأوقعُ في السَّمعِ، وهذا ما لا ينكرُهُ حسنُ الذَّوقِ في الكتابةِ، ولا يجهلُهُ إلا طَبِعُ الطَّبْعِ في الخطابةِ.
وأمَّا تكريرُ أمِّ زرعٍ / اسمَ أبي زرعٍ في كلامِها، وتصريحِها به في أوَّلِ فُصُولِها، فليس منْ عيبِ الكلامِ، ولا مِنْ بابِ التّكرارِ، لأنَّ التَّكرارَ المَعيبَ إنَّما يكونُ إذا كان في جملةٍ واحدةٍ، وأمَّا مع اختلافِ الجُملِ وبُعدِ ما بينها، فليس بعيبٍ، ولكنَّه منه ما يكونُ مُحتَمَلًا، ومنه ما يكونُ حسنًا، من بابِ البلاغةِ، كقولِها:«أبُو زرعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ »، فإنَّ التَّصريحَ هنا أبلغُ منَ الكِنايةِ، / لِما فيه منَ التَّعظيمِ والتَّعجُّبِ، كما قلناهُ في قولِ العاشرةِ:«مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ » وقولِه تعالى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: ١ - ٢]، فقد تقدَّمَ فيه ما أغْنى.
وإنَّما يقبُحُ إذا كان على غيرِ هذا الوجهِ وكان في جملةٍ واحدةٍ، وأمَّا في جملٍ مختلِفةٍ فليس بقبيحٍ.
قال الله تعالى: {مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ