لنقيق الضفادع كما يطربون لخرير الماء، ويفضلون أنغام النواعير على أنغام العيدان، ويعجبون بشعر ابن الفارض وابن معتوق والبرعي أكثر مما يعجبون بشعر أبي الطيب وأبي تمام والبحتري، ويضحكون لما يبكي ويبكون مما يضحك، ويرضون بما يغضب ويغضبون مما يرضي.
أولئك هم أصحاب الأذواق المريضة، وأولئك هم الذي تصدر عنهم أفعالهم وأقوالهم مشوهة غير متناسبة ولا متلائمة؛ لأنهم لم يدركوا سر الجمال فيصدر عنهم، ولم تألفه نفوسهم فيصير غريزة من غرائزهم.
إن رأيت شاعرا يبتدئ قصائد التهنئة بالبكاء على الأطلال، ويودع القصائد الرثائية، النكات الهزلية، ويتغزل بممدوحه، كما يتغزل بمعشوقه، أو متكلما يقتضب الأحاديث اقتضابا ويهزل في موضع الجد ويحد في موضع الهزل، أو صحفيا يضع العنوان الضخم للخبر التافه، ويكتب مقدمة في السماء لموضوع في الأرض، أو حاكما يضع الندى في موضع السيف والسيف في موضع الندى، أو ماشيا يتلوى في طريقه من رصيف إلى رصيف كأنما يرسم خطا متعرجا، أو لابسا في الشتاء غلالة الصيف وفي الصيف فروة الشتاء، فاعلم أن ذوقه مريض وأنه في حاجة إلى معالجة