ما كتبت إليك هذا الكتاب لأجدد بك عهدا، أو لأخطب إليك ودا، فقد عرفت مكانك من نفسي، على أنني أصبحت على باب القبر وفي موقف وداع هذه الحياة خيرها وشرها، سعادتها وشقائها، وإنما كتبت إليك؛ لأن لك عندي وديعة وهي فتاتك، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك أبقى لك منها رحمة الأبوة فأقبل إليها وخذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء ما أدرك أمها من قبلها.
فما أتممت قراءة الكتاب حتى نظرت إليه فرأيت مدامعه تتحدر من مقلتيه فسألته ماذا تم بعد ذلك؟ قال: إني ما قرأت هذا الكتاب حتى أحسست برعدة تتمشى في أضالعي وخيل لي أن صدري يحاول أن ينشق عن قلبي حزنا وجزعا, فأسرعت إلى منزلها وهو هذا المنزل الذي تراني فيه الآن فرأيتها في هذه الغرفة على هذا السرير جثة هامدة لا حراك بها، ورأيت فتاتها إلى جانبها تبكي بكاء مرا فصعقت لهول ما رأيت وتمثلت لي جرائمي في غشيتي كأنما هي وحوش ضارية، وأساود ملتفة، هذا ينشب أظافره وذاك يحدد أنيابه، فما أفقت حتى عاهدت الله ألا أبرح هذه