لولا أن للغريزة قوة فوق قوة الإرادة وسلطانا تخضع له الرغبات وتنقاد إليه العقول إلا إذا كان وراءها وازع من القانون يزعها فإنه يكسر شرتها أحيانا، وإن لم ينتزعها انتزاعا.
ويحكى أن شحيحا تحركت في قلبه يوما الشفقة على ابنته الجائعة العارية فأراد نفسه على أن يبذل لها شيئا من ماله, فتأبت عليه فأذن لوكيله أن يختلس لها من ماله ما يسد خلتها من حيث لا يعلمه بذلك ولا يدعه ينتبه لشيء منه علما بأنه لايستطيع أن يكون كما يريد.
فالوجه في السؤال أن يقال ما هي الأسباب التي غرست ملكة البخل في نفس البخيل؟ فيكون الجواب عن ذلك: أن الأسباب تختلف باختلاف الأشخاص البخلاء, وأطوارهم وأخلاقهم وتربيتهم، ونحن نذكر أهم تلك الأسباب من حيث ذاتها بقطع النظر عن افتراق ما يفترق منها واجتماع ما يجتمع.
الأول -الوراثة- وهي وإن كانت سببا ضعيفا لما يعرض للأخلاق الموروثة أحيانا من التغير والانقلاب بمعاشرة المتصفين بأضدادها والتأثر بمخالطتهم إلا أنها كثيرا ما تنمو ووتجسم إذا أغفلت, ولم يعترضها ما يسد سبيلها ويقف في طريق نمائها.