هو بناج إن أراد نجاء، ولا بباق إن أراد بقاء، بل مثلها كمثل آخر ضل به سبيله، واشتبهت عليه مسالكه، في ليلة داجية مدلهمة قد غابت كواكبها، واستسرت نجومها، فوقف وقفة الحائر المضطرب يسمع العواء والزئير، والفحيح والصفير، فلا يعلم أيقدم فيزداد ضلالا، أم يحجم فلا يجد مجالا، أم يقف فيصبح فريسة المفترس ولقمة المزدرد.
عرفت أن الأمة المصرية أصبحت لا تدري ما تريد، ولا ما يراد بها، ولا تجد من يرد إليها رشدها، ولا من يمد يده إليها، ليأخذ بيدها في هذا الظلام الحالك، والليل المدلهم.
كثر رؤساؤها، وتعددت قادتها، وتنوعت مذاهبهم، واختلفت طرقهم، واستحكمت حلقات البأس بينهم فلم يتفقوا في شأن من شئون هذه الأمة على شيء إلا على وضع حبل متين في عنقها, قد أخذ كل منهم بطرف من طرفيه يجذبه إليه جذبة المستقتل المستميت حتى بح صوتها، وضاق صدرها، وتعلقت أنفاسها، وجحظت مقلتاها، وجف ريقها، وتحجر لسانها، وهم ينظرون إليها نظرة المداعب اللاعب، ولا أحسب أنهم تاركوها حتى يفرقوا بين الرأس والجسد فراقا لا لقاء بينهما من بعده.