لو بعث أرسطو واضع علم المنطق من قبره وأراد أن يضع لهذه الأمة حدا تاما جامعا مانعا لما استطاع إلا أن يضع لها هذا الحد "الأمة المصرية هي التي تصدق كل ما يقال"، ولقد عرف منها كل أولئك اللاعبين بها والعابثين بميولها وأهوائها هذا الخلق وتلك الطبيعة, وكانوا قساة القلوب غلاظ الأكباد فنفذوا من تلك الآذان اللينة إلى تلك القلوب الطيبة, فما بلغوها حتى أخذوا يلعبون بها لعب الصبي بكرته، ويتلقفونها واحدا بعد واحد، فهي لا ترتفع حتى تتناولها الصوالجة، ولا تستقر حتى تدفعها الأقدام، كل يزعم أنه صديقها، وكل يزعم أنه يدلها على عدوها، والله يعلم أنهم أعداؤها قبل الأعداء، وخصومها أكثر من الخصماء، وأن السماء بصواعقها ورجومها، والأرض بزلزالها وبراكينها، أعجز من أن تبلغ منها ما بلغوه، أو تجني عليها ما جنوه.
فيأيها الرؤساء والزعماء: أي خير تطلبون لهذه الأمة بعد أن فرقتموها شيعا، وصيرتموها أحزابا، وقطعتم أوصالها ووشائجها وألقيتم العداوة والبغضاء بين الرجل وولده، والرجل وأخيه، والجار وجاره، والصديق وصديقه، حتى ركب كل فرد من أفرادها رأسه ومضى لسبيله، وحتى تناكرت الوجوه، واستوحشت النفوس، وأصبحت ساحة البلد كساحة الحرب، لا ترى فيها إلا