أبي البشر وإسرافيل صاحب الصور١، ومسائله حلقات يصنع كل نابغة من نوابغ العلماء منها حلقة، ولن يبلغ المتعلم درجة النبوغ إلا إذا وضع في العلم الذي مارسه مسألة، أو كشف حقيقة، أو أصلح هفوة، أو اخترع طريقة، ولن يسلس له ذلك إلا إذا كان علمه مفهوما لا محفوظا، ولا يكون مفهوما إلا إذا أخلص المتعلم إليه، وتعبد له، وأنس به أنس العاشق بمعشوقه، ولم ينظر إليه نظر التاجر لسلعته، والمحترف إلى حرفته، فالتاجر يجمع من السلع ما ينفق سوقه، لا ما يغلو جوهره، والمحترف لا يهمه من حرفته إلا لقمة الخبز وجرعة الماء، أحسن أم أساء.
لا يزور العلم قلبا مشغولا بترقب المناصب، وحساب الرواتب، وسوق الآمال وراء الأموال، كما لا يزور قلبا مقسما بين تصفيف الطرة، وصقل الغرة، وحسن القوام، وجمال الهندام، وطول الهيام، بالكأسين: كأس المدام، وكأس الغرام.
١ المراد أن العلوم لا يتم تدوينها ولا تنحصر مسائلها ما دامت العقول تفكر, فالعمل دائب فيها من ابتداء الدنيا إلى انتهائها.