للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا جد الجد وأرادوا أنفسهم على الإفصاح عن شيء من خلجات نفوسهم رجعوا إلى تلك المحفوظات ونبشوا دفائنها، فإن وجدوا بينها ما يدل على المعنى الذي يريدونه انتزعوه من مكانه انتزاعا، وحشروه في كتابتهم حشرا، وإلا فإما أن يتبذلوا باستعمال التراكيب الساقطة المشنوعة، أو يهجروا تلك المعاني إلى أخرى غيرها لا علاقة بينها وبين سابقاتها ولاحقاتها، فهم لا بد لهم من إحدى السوأتين، إما فساد المعاني واضطرابها، أو هجنة التراكيب وبشاعتها.

فاحذر أن تكون واحدا منهم أو أن تصدق ما يقولونه في تلمس العذر لأنفسهم من أن اللغة العربية أضيق من أن تتسع لجميع المعاني المستحدثة، وأنهم ما لجئوا إلى التبذل في التراكيب إلا لاستحالة الترفع فيها، فاللغة العربية أرحب صدرا من أن تضيق بهذه المعاني العامة المطروقة بعدما وسعت من دقائق العلوم ما لا قبل لغيرها باحتماله وقدرت من هواجس الصدور وأحاديث النفوس وسرائر القلوب على الذي عيت به اللغات القادرات.

وليس الشأن في عجز اللغة وضيقها وإنما الشأن في عجز المشتغلين بها عن الاضطراب في أرجائها، والتغلغل في أثنائها، واقتناعهم من بحرها بهذه البلة التي لا تثلج صدرا، ولا تشفي أواما

<<  <  ج: ص:  >  >>