للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المادة، وما وظيفة التعليم إلا استثارتها من مكامنها، وبعثها من مراقدها.

وآية ذلك أنك لا تجد مثلا من أمثال العلماء التي يفخرون بها ويعدونها مظهر حكمتهم، وآية فلسفتهم، إلا وترى في ألسنة العامة وشوارد أقوالها وأمثالها ما يرادفها ويشاكلها، كما أنك لا تجد قاعدة من قواعد الحكمة ولا قضية من قضايا الآداب والأخلاق التي نعدها من ذخائر الأسفار ونفائس الأعلاق إلا وهي ملقاة تحت أقدام العامة، ومذالة بين أيدي الجاهلين والأميين.

وعندي أنه لولا عجز العامة عن بيان ما يجول في خواطرهم ويهجس في ضمائرهم من المعلومات على صورة مرتبة منظمة لما تخيل إليهم أنهم يسمعون من الخاصة كلاما عجيبا، أو معنى غريبا.

وليست هذه الغبطة التي نراها تعلق بنفوسهم عندما يتلقون أحاديث الخاصة من أجل أنهم علموا ما لم يكونوا يعلمون، أو أدركوا ما لا عهد لهم به من قبل؛ بل لأنهم عثروا على من يترجم عن أفكارهم، ويجمع لهم شمل المعاني المبعثرة في أنحاء أدمغتهم؛ ولأنهم وجدوا في أنفسهم لذة الأنس بأفكار تشابه أفكارهم، وآراء تشاكل آراءهم.

ولا أخشى بأسا إن قلت إن علم العامة أفضل من علم

<<  <  ج: ص:  >  >>