للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حيث لا ترى في نفسها قوة لدفعها والخروج عليها.

القوي يملك على الضعيف بحكم الطبيعة كل شيء حتى نفسه وهواه، وكذلك كان شأن الإنسان مع الحيوان وشأن الرجل مع المرأة.

الإنسان نوع من أنواع الحيوان لم يكن في مبدأ خليقته خيرا منها في شأن من شئون الحياة، ولكنه كان أوفر منها عقلا وأوسع حيلة، فما زال يطلب لنفسه الغاية التي تناسب استعداده وفطرته حتى أصبح سيد الحيوان، فمدن المدن ومصر الأمصار وشاد وبنى وتأنق وترّفه, ثم طرد صاحبه إلى تلال الرمال، ورءوس الجبال، يأكل بعضه بعضا، والرجل أخو المرأة وقسيمها في الرحم والمهد، والأبوة والأمومة، والقومة والقعدة، والنومة واليقظة، ولكنه وجد في نفسه فضلا من قوة العقل والتدبير عليها, وكان ظالما خشن النفس قاسي القلب فأبى إلا أن يأسرها ويغلبها على أمرها, ويملك عليها جسمها ونفسها فتم له ما أراد.

ملك عليها جسمها؛ لأنه حجبها عن النور والهواء فأذعنت، وملك عليها نفسها؛ لأنه ألقى في روعها أن ذنبها في الفسق المشترك بينه وبينها أكبر من ذنبه، وإن جريمتها ضعف جريمته فصدقت، وطلب منها أن تسلم إليه الأمر في تدبير شئونها والتصرف بأموالها

<<  <  ج: ص:  >  >>