العظيم قطرة من الدمع أو قطرة من المداد، فإنه كان يبذل لهم ماء حياته قطرة قطرة حتى أفناه ومضى لسبيله، فشتان ما بين صنيعهم وصنيعه.
أين قطرات الدموع التي يريح بها الباكون أنفسهم، أو قطرات المداد التي يرصّع بها الكتاب أقلامهم، من قطرات الحياة التي أراقها مصطفى كامل في سبيل وطنه وأمته؟!
كان مصطفى كامل سراجا كبير الشعلة، وكل سراج تكبر شعلته يفرغ زيته وشيكا وتحترق ذبالته, فينطفئ نوره.
كان مصطفى كامل نشطا سريع الحركة, فقطع جسر الحياة في لحظة واحدة.
كان الوطنيون قبل اليوم يتكلمون، فلما جاء مصطفى كامل علّمهم كيف يصيحون، فلما صاحوا وأسمعوا عرفوا أن آذان السياسة لا يخترقها إلا الصوت الجهوري, ولولاه ما كانوا يعرفون.
كان الوطنيون يحتقرون أنفسهم ويسيئون الظن بها, فلا يصدقون أن تربة مصر تنبت أمثال فولتير وهوجو وغاريبالدي وواشنطون، فلما نبغ بينهم مصطفى كامل عرفوا أن تربة مصر لا تختلف كثيرا عن تربة أوروبا لو تعهدها الزارعون.
كان لمصطفى كامل أنامل أشبه شيء بريشة الموسيقار يضرب