هذا ما كتبه إلي ذلك الكاتب، ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء، وأظلمت الدنيا في عيني, فما أُبصر مما حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا عهد له بها، ولا قِبَل له باحتمالها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي من شئونها قطرة لا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر؛ منظر أولئك المسلمين وهم ركّع سجّد على أعتاب قبر ميت ربما كان بينهم من هو خير منه في حياته، فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته!
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة فلا يخفق وجدا أو يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر المشركين إشراكا بالله، وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات.
لماذا ينقم المسلمون التثليث من المسيحيين؟! ولماذا يحملون لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن؟! وعلام يحاربونهم وفيم يقاتلونهم، وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم؟!