مظلمة لا ينفذ إليها شعاع من أشعة الرحمة، ولا تهبّ عليها نسمة من نسمات الإحسان.
لن يؤمن المؤمن حتى يبذل في سبيل الله أو في سبيل الجماعة من ذات نفسه أو ذات يده ما يشق على مثله الجود بمثله، أما الجود بالشفاه للهمهمة، والأنامل للمسبحة، فعمل لا يتكلف صاحبه له أكثر مما يتكلف لتقليب ناظريه، وتحريك هُدبيه، وهل خلقت الشفاه إلا للتحريك، والأنامل إلا للتقليب؟
إن للإيمان مواقف يمتحن الله فيها عباده ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فإن بذل الضنين بماله ماله في مواقف الرحمة والشفقة، والشحيح بنفسه نفسه في سبيل الذود عن حوضه، والذب عن عشيرته وقومه، وضعيف العزيمة ما يملك من قوة وأيد في مغالبة شهوات النفس ومقاومة نزواتها، فذلك المؤمن الذي لا يشوب إيمانه رياء ولا دهان، ولا يخالط يقينه خداع ولا كذب، أو لا فأهون بهمهمته ودمدمته، ومسواكه ومسبحته، وهو بعنوان المنافق الكاذب أحرى منه بعنوان التقي الصالح {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} .