على كرسي القضاء, وأن الناس سيسألونه عما قال كما يسألون القاضي عما حكم، ما طاش سهمه في حكمه، ولا ركب متن الغلو في تقديره.
كما أنه يجب على القاضي أن يقدر لكل جريمة ما يناسبها من العقوبة، كذلك يجب على الكاتب أن يضع كل شخص في المنزلة التي وضعته فطرته فيها، وأن لا يعلو به فوق قدره ولا ينزل به دون منزلته.
ليس بين كتَّاب هذا العصر من لم يقرأ في التاريخ الماضي متناقضات الأحكام على الأشخاص، وليس بينهم من لم يتمنّ أن يكون في موضع أولئك المؤرخين حتى لا يغلو غلوهم، ولا يتطرف تطرفهم في أحكامهم.
أيها الكتاب المحزونون: لا يحزنكم ما كان؛ فقد مضى ذلك الزمن بخيره وشره، ولئن فاتكم أن تكونوا مؤرخي العصر الماضي فلن يفوتكم أن تكونوا مؤرخي العصر الحاضر، وكما أن للماضي مستقبلا وهو حاضركم هذا، فسيكون لهذا الحاضر مستقبل يحاسبكم فيه رجاله على هفواتكم في أحكامكم، كما تحاسبون اليوم رجال الماضي على غلوهم في أحكامهم، وتطرفهم في آرائهم.