المؤرخين المتقدمين ما أنتم فاعلون، وتأخذوا عليهم ما أنتم به آخذون.
كل كاتب عندكم أكتب الكتَّاب، وكل شاعر أشعر الشعراء، وكل مؤلف أعلم العلماء، وكل خطيب رئيس الأمة، وكل فقيه إمام الدين، فأين الفاضل والمفضول، وأين الرئيس والمرءوس؟ وكيف يكون زيد اليوم أفضل من عمرو، ويكون عمرو غدا أفضل منه؟ وأين ملكة التمييز التي وهبها الله لكم لتميزوا بها بين درجات الناس ومنازلهم؟ وهل بلغ التفاوت بين عقولكم وأذواقكم أن يكون الرجل الواحد في نظر بعضكم خير الناس، وفي نظر البعض الآخر شر الناس؟
إني حبست الآن قلمي عن الكتابة؛ لأتجرد عن نفسي ساعة من الزمان, فتخيلت كأني رجل من رجال العصور الآتية، وأني ذهبت إلى دار من دور الكتب القديمة لأفتش فيها عن تاريخ عظيم من عظماء عصركم, فقرأت ما كتبتموه عنه في مؤلفاتكم وصحفكم, فرأيته تارة عظيما وأخرى حقيرا، ومرة شريفا ومرة وضيعا، ورأيته عالما وجاهلا وذكيا وغبيا وعاقلا وممرورا١ في آن واحد، فخرجت أضل مما دخلت، لا أعرف من تاريخ