أن يحمله الحامل على وجه من الوجوه الشرعية؛ لأن الذين يضعون المال في ذلك الصندوق وأمثاله لا يريدون أن يهبوه لأحد من سدنة ذلك الضريح أو خدمته أو أصحاب العلائق بالميت المدفون فيه، ولو أنهم أرادوا ذلك لما كان بينهم وبين هؤلاء القوم حائل يمنعهم عن وضع ذلك المال في أيديهم، ولكنهم لما تصوروا أن ذلك الميت حي في قبره يسمع نجواهم ويفهم حديثهم ويلبي دعاءهم تجسم في نظرهم هذا الخيال, فأرادوا أن يعطوه جميع أحكام الأحياء حتى في حب المال وادخاره، فخيل إليهم أن الصندوق من الميت بمنزلة الكيس من الحي، فهم يهبونه المال ويضعونه في صندوقه؛ لأنهم يعجزون عن وضعه في يده.
أما كيفية تصرف الميت بهذا المال والبحث عن مذاهبه ومراميه فهو أمر لا يخطر على بالهم, ولا يدخل في باب مقاصدهم وأغراضهم.
فإن وجد بينهم من يعلم أن مرجع هذا المال الذي يضعه في الصندوق إلى سدنة الضريح وخدمته وأشياع صاحبه, فعلمه هذا لا يستفاد منه أنه يهبه لهم أو يمنحه إياهم؛ لأنهم لو أرادوه على أن يعطيهم ذلك المال أو يعطيهم بعضه ويستبقي لنفسه البعض الباقي لما وسعه ذلك, ولا رأى إن فعله أنه عمل عملا صالحا.