للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل لجماعة المغنين في عصرنا أن يعفونا من "أحب جميل طبعه الدلال" ومن "يا حلو صن عهد ودادي الله يصونك" ويأخذوا بنا في مسلك أشرف من هذا المسلك, ويعيدوا للغناء العربي عهده الأول كما صنع شعراء العصر برفيقه الشعر، فلقد كان الشعر والغناء أخوين أليفين، رضيعي ثدي وضجيعي مهد، ثم ضربهما الدهر بضرباته فافترقا، فماذا علينا لو قصرنا مسافة البعد بينهما، وماذا على المغنين والشعراء في مصر لو عقدوا بينهم عهدا أن يهذبوا أخلاق أمتهم ويرفعوا شأنها ليكون لهم من الفضل في نهضتها وارتقائها ما عجز عن دركه الفلاسفة والحكماء، فينظم الشاعر المقطعات الرقيقة العذبة السائغة في فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق كالشجاعة والشهامة والشرف وحب الوطن والاتحاد والتزهيد في صغائر الأمور والترغيب في عزائمها, فيأخذها منه المغني ولا يتكلف في تلحينها أكثر مما يتكلفه في تلحين سواها من الأدوار والمواويل ثم يغنيها في الناس غير مبالٍ بما يفجؤه به ضعفاء النفوس من العامة من الانتقاد الملازم لكل عمل شريف في مبدئه. وفي اعتقادي أن لهذه الطريقة من الأثر الحسن في نفوس العامة وتهذيب أخلاقهم وطباعهم وتقويم ألسنتهم وعقولهم ما يخلد للملحنين والمغنين أجمل ذكر في تاريخ عظماء الرجال.

<<  <  ج: ص:  >  >>