للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستبدت مرة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد

فحرك ذكر العجز والاستبداد ما كان كامنا في نفس الرشيد من شعوره بسلطان البرامكة عليه واستبدادهم بالأمر من دونه، فقال عند تمام الصوت: "نعم إني عاجز، إني عاجز" ثم كان من أمره معهم بعد ذلك ما كان، ولقد مضى الصدر الأول من الإسلام وشأن فن الغناء العربي هذا الشأن العظيم خصوصا في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، ثم أخذت شمسه الباهرة تنحدر إلى الغروب بانحدار اللغة العربية وشعرها حتى أصبح في حضارة الاندلس قدودا وموشحات، بعد أن كان قصائد ومقطعات، فكان لا يسمع أبناء العرب في ذلك العهد إلا قول المغني: "كحل الدجى يجري، من مقلة الفجر، على الصباح، ومعصم النهر، في حلل خضر، من البطاح" أو قوله: "كللي، يا سحب تيجان الربا، بالحلى، واجعلي، سوارها منعطف الجدول" وليت الأمر وقف عند هذه الموشحات, فإنها وإن لم تكن شعرية اللفظ فهي شعرية المعنى عالية الخيال، وهي على علاتها خير من شعر العامة الذي قضى عليهم فساد اللغة وانحطاطها بانتهاجه والتغني به كالزجل والمواليا والقوما والدوبيت وكان ويكون وغير ذلك مما يسمى في عهدنا هذا بالأدوار والتواشيح والأغصان والمذاهب وأمثالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>