ومصنوعاتهم، وكان لإسحاق الموصلي القدرة الغريبة على مخاتلة المغنين عن أصواته، حتى صنع مرة صوتا وأراد الفحول منهم أن يأخذوه بعدما سمعوه منه أكثر من سبعين مرة, فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكانت مجالس الغناء عندهم تشبه أن تكون مجالس علم لدراسة هذا الفن وتهذيبه، فكان أحدهم لا يحجم إن رأى في صوت صاحبه منتقدا أن يفجأه بالانتقاد ويبين له مواضع الخطأ مهما عظم شأن المجلس وشأن صاحبه، وكانت تقع بينهم المنافسات الشديدة في ذلك كما تقع بين العلماء في مجادلاتهم ومناظراتهم مما يدل على أن الغناء العربي كان له عند العرب صبغة جدية فوق صبغة اللهو, وأن الغربيين في هذا العهد الأخير ليسوا بأعلم بصناعة الغناء ولا أقوم على أمرها من العرب في ذلك العهد الأول، ولو أن العرب توسعوا في فنونه وضروبه لبلغوا فيه الغاية التي لا غاية وراءها، ولكنهم كانوا قلما يحفلون بإدخاله في الأغراض العالية كالحروب ومواقف الفخر وأمثال ذلك من المناحي والمقاصد إلا قليلا، كما ورد في تاريخ الدولة العباسية أن أعداء البرامكة لما أرادوا الإيقاع بهم وعلموا أن سبيل الوشايات بهم إلى الرشيد سبيل وعر دسوا له من القيان من يغنيه بقول عمر بن أبي ربيعة: