للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما عليها -يشهد الله- قميص، ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على خلتي وحاجتي لكان الصوت أعجب إلي منه، وما زال به حتى رحمه ابن عائشة, وغناه الصوت بعد لأي١ فطرب له الرجل طربا شديدا وجعل يحرك رأسه, وينطح بها الجدار حتى خِيف أن يندقّ عنقه، ثم انصرف ولم يرزأه في ماله شيئا.

وفي هذا الحديث فوق الغرض الذي سقناه له ما يدل على أن الغناء العربي كان قريبا إلى القلوب وأنه كان منها بمنزلة الأصابع من الأوتار، فإذا لمسها رنت رنن الثكلى المرزوءة في واحدها، وأن الوجدان العربي وجدان رائق شفاف تأخذ منه مختلفات الأنغام، فوق ما تأخذ الكهرباء من الأجسام، كما تبلغ منه نظرات الغرام، فوق ما تبلغ من عقل شاربها المدام.

وكانت الأصوات عندهم تنسب إلى واضعيها وتسمى بأسماء أصحابها كما هو الشأن في الشعر، فيقال: صوت إسحاق أو معبد كما يقال: شعر مسلم أو بشار، وكان المغني أحرص على صوته من الكريم على عرضه، فإذا صنع صوتا لا يسمح لأحد من المغنين بأخذه عنه حتى يغنيه مرارا وتعرف نسبته إليه كما يفعل اليوم المخترعون والصانعون من أخذ الامتيازات بمخترعاتهم


١ اللأي: الجهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>