بنفسها في بحرها الأسود, فما زالت أمواجها تتلقفها وتترامى بها حتى قذفت بها إلى شاطئ الفجر، فإذا هي في غرفة صغيرة في أحد المنازل البالية، في بعض الأحياء الخاملة، وإذ هي وحيدة في غرفتها لا مؤنس لها إلا ذلك الهم المضطرم، وذلك الجنين المضطرب.
كان لها أم تحنو عليها وتتفقد شأنها وتجزع لجزعها وتبكي لبكائها ففارقتها، وكان لها أب لا هم له في حياته إلا أن يراها سعيدة في آمالها، مغتبطة بعيشها، فهجرت منزله، وكان لها خدم يقمن عليها ويسهرن بجانبها فأصبحت لا تسامر غير الوحدة، ولا تساهر غير الوحشة، وكان لها شرف يؤنسها ويملأ قلبها غبطة وسرورا ورأسها عظمة وافتخارا ففقدته، وكان لها أمل في زواج سعيد من زوج محبوب, فرزأتها الأيام في أملها.
ذلك ما كانت تناجي نفسها به صباحها ومساءها، بكورها وأصائلها، فإذا بدا لها أن تفكر في علة مصائبها وسبب أحزانها علمت أنه ذلك الفتى الذي وعدها أن يتزوجها فخدعها عن نفسها ثم لم يف لها بعهده, فقذف بها وبكل ما تملك يمينها إلى هذا المصير.
فلا يكاد يستقر ذلك الخاطر في فؤادها ويأخذ مكانه من نفسها حتى تشعر بجذوة نار تتقد بين جنبيها من الحقد والموجدة على ذلك الفتى لأنه قتلها، وعلى المجتمع الإنساني لأنه لا يعاقب القاتل