وما هي إلا أيام قلائل حتى جاءها المخاض, فولدت وليدتها من حيث لا ترى بين يديها من يأخذ بيدها أو يساعدها على خطبها غير عجوز من جاراتها ألمت بشأنها, فمشت إليها وأعانتها على أمرها بضع ساعات, ثم فارقتها تكابد على فراش مرضها ما تكابد، وتعاني من صروف دهرها ما تعاني.
ولقد ضاق صدرها ذرعا بهذا الضيف الجديد وهو أحب المخلوقات إليها, وأكثرهم قربا إلى نفسها, فجلست ذات ليلة وقد حملت طفلتها النائمة على حجرها وأسندت رأسها إلى كفها وظلت تقول:
ليت أمي لم تلدني, وليتني لم أكن شيئا.
لولا وجودي ما سعدت، ولولا سعادتي ما شقيت.
إن كان في العالم وجود أفضل منه العدم فهو وجودي.
لقد كان لي قبل اليوم سبيل إلى النجاة من الحياة، أما اليوم وقد أصبحت أما فلا سبيل.
أأقتل نفسي فأقتل طفلتي؟! أم أحيا بجانبها هذه الحياة المريرة؟!
لا أحسب الموت تاركي حتى يذهب بي إلى قبري, فماذا يكون حال طفلتي من بعدي؟
إنها ستعيش من بعدي وتشقى في الحياة شقائي لا لذنب جنته, ولا لجريمة اجترمتها سوى أنني أمها.