هل تعيشين أيتها الفتاة حتى تغفري لي ذنب أمومتي حينما تسمعين قصتي، وتفهمين شكاتي؟
لم يبق في يدي يا بنيتي من حلاي إلا قليل سأبيعه كما بعت سابقه, فكيف يكون شأني وشأنك بعد اليوم؟
محال أن أعود إلى أبي فأقص عليه قصتي؛ لأنه لم يبق لي مما يعزيني عن شقاء العيش وبلائه إلا أن أهلي لا يعرفون شيئا من أمري، فهم يبكونني كما يبكون موتاهم الأعزاء, ولأن يبكوا مماتي خير لي ولهم من أن يبكوا حياتي.
وكذلك ظلت تلك البائسة تحدث نفسها تارة وطفلتها أخرى بمثل هذا الحديث المحزن حتى غلبها صبرها على أمرها، فأرسلت من جفنيها قطرات حارة من الدموع هي كل ما يملك الضعفاء، ويقدر عليه البؤساء.
دارت الأيام دورتها وباعت الفتاة جميع ما تملك يدها وما يحمل بدنها وما تشتمل عليه غرفتها من حلى وثياب وأثاث، ولم يبق لها إلا قمصها الخلقان وملاءتها وبرقعها، ولم يبق لطفلتها إلا ثياب باليات تنم عن جسمها نميمة الوجه عن السريرة، فكانت تقضي ليلها شر قضاء حتى إذا طار غراب الليل عن مجثمه أسدلت برقعها على وجهها وأتزرت بمئزرها وأنشأت تطوف شوارع المدينة