وتقطع طرقها لا تبغي مقصدا ولا تريد غاية سوى الفرار بنفسها من همها وهمها لا يزال يسايرها، ويترسم مواقع أقدامها.
وأحسب أن عجوزا من عجائز المواخير رأتها فألمت ببعض شأنها فاقتفت أثرها حتى عادت إلى غرفتها فوغلت عليها ثم سألتها ما خطبها فأنست بها, وكذلك يأنس المصدور بنفثاته، والبائس بشكاته، فكشفت لها عن أمرها، وألقت إليها بخبيئة صدرها، ولم تترك خبرا من أخبار نعيمها، ولا حادثا من حوادث بؤسها لم تحدثها به، فعرفت الفاجرة محنتها ورأت بعينها ذلك الماء من الحسن الذي يجول في أديم وجهها جولان الراح في زجاجتها، وعلمت أنها إن أحرزتها في منزلها فقد أحرزت لنفسها غنى الدهر، وسعادة العمر، فلم ترسل إليها عقاربها وتنفث في نفسها عزائمها ورقاها حتى غلبتها على أمرها وقادتها إلى منزلها، فما هي إلا عشية أو ضحاها حتى بلغت تلك الفتاة البائسة الغاية التي لا مفر لها, ولا لأمثالها من بلوغها.
عاشت تلك البائسة في منزلها الجديد عيشا أشقى من عيشها الأول في منزلها القديم؛ لأنها ما كانت تستطيع أن تزدرد لقمتها التي هي كل ما حصلت عليه في دورها الثاني إلا إذا بذلت