راحتها وشرَّدت نومها وأحرقت دماغها بالسهر وأحشاءها بالشراب وصبرت على كل ما يسوقه إليها حظها من سباع الرجال وذئابهم على اختلاف طباعهم، وتنوع أخلاقهم؛ لأنها لم تر لها بدا من ذلك, فاستسلمت استسلام اليائس الذي لم تترك له ضائقة العيش إلى الرجاء سبيلا.
ولو أن الدهر وقف معها عند هذا الحد لألِفت الشقاء ومرنت عليه كما يألفه ويمرن عليه كل من أصيب بمثل ما أصيبت به، ولكنه أبى إلا أن يسقيها الكأس الأخيرة من كئوس شقائه، فساق إليها رجلا كان ينقم عليها شأنا من شئون شهواته ولذاته, فزعم أنها سرقت كيس دراهمه في إحدى لياليه عندها ورفع أمرها إلى القضاء, واستعان عليها ببعض أترابها الساقطات اللواتي كن يحسدنها وينفسن عليها حسنها وبهاءها حتى أدانها.
جاء يوم الفصل في أمرها فسيقت إلى المحكمة وفي يدها فتاتها وقد بلغت السابعة من عمرها, فأخذ القاضي ينظر في القضايا ويحكم فيها بما يشاء ويشاء له قانونه, أو ذمته حتى أتى دور الفتاة فأدناها منه، فما وقع بصرها عليه حتى شدهت عن نفسها وألم بها من الاضطراب والحيرة ما كاد يذهب برشدها، ذلك أنها عرفته وعرفت أنه ذلك الفتى الذي كان سبب شقائها، وعلة بلائها،