فنظرت إليه نظرة شزراء ثم صرخت صرخة دوَّى بها المكان دويا, وقالت:
رويدك يا مولانا القاضي، ليس لك أن تكون حكما في قضيتي، فكلانا سارق وكلانا خائن، والخائن لا يقضي على الخائن، واللص لا يصلح أن يكون قاضيا بين اللصوص.
فعجب القاضي والحاضرون لهذا المنظر الغريب, وغضب لهذه الجرأة العجيبة وهمّ أن يدعو الشرطي لإخراجها, فحسرت قناعها عن وجهها فنظر إليها نظرة ألم فيها بكل شيء، فشعر بالرعدة تتمشى في أعصابه وسكن في كرسيه سكون المحتضر على سرير الموت، وعادت الفتاة إلى إتمام حديثها فقالت:
أنا سارقة المال وأنت سارق العرض، والعرض أثمن من المال، فأنت أكبر مني جناية وأعظم جرما.
إن الرجل الذي سرقتُ ماله يستطيع أن يعزي نفسه باسترداده أو الاعتياض عنه، أما الفتاة التي سرقتَ عرضها فلا عزاء لها؛ لأن العرض الذاهب لا يعود.
لولاك لما سرقت، ولا وصلت إلى ما إليه وصلت، فاترك كرسيك لغيرك وقف بجانبي ليحاكمنا القضاء العادل على جريمة واحدة أنت مدبرها, وأنا المسخرة فيها.