إن شريعة تعلم أننا شركاء في جريمة واحدة ثم تأتي بنا إلى هذا المكان فتقف أحدنا في أشرف المواقف, وتقف الآخر في أدناها لشريعة ظالمة, ليس بينها وبين العدل نسب موصول أو ذمام غير منقضب.
رأيتك حين دخلت إلى هذا المكان وسمعت الحاجب يصرخ لمقدمك، ويستنهض الصفوف للقيام لك، ورأيت نفسي حين دخلت والعيون تتخطاني والقلوب تقتحمني فقلت: يا للعجب، كم تكذب العناوين وكم تخدع الألقاب؟ وكم يعيش هذا العالم في ضلالة عمياء، وجهالة جهلاء؟
بخ بخ لأولئك القوم الذين منحوك هذه الشهادة, شهادة العلم والفضل والأخلاق والآداب، ومرحى مرحى لأولئك الذين أقعدوك هذا المقعد ووضعوا بين يديك هذا القانون ووقفوا أمامك هذا الشرطي, يأتمر بأمرك وينفذ حكمك وينزل على هواك.
إن تحت هذه الثياب التي تلبسونها -معشر القضاة- نفوسا ليست بأقل من نفوسنا شرا ولا أخبث منها مذهبا، وربما لا يكون بيننا وبين الكثير منكم فرق إلا العناوين والألقاب، والشمائل والأزياء.