للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتيت بي إلى هنا لتحكم علي بالسجن, كأن لم يكفك ما أسلفت إلي من الشقاء حتى أردت أن تجيء بلاحق لذلك السابق.

ألم أحسن إليك بساعة من ساعات السرور فترعاها؟

ألم تك إنسانا فترثي لشقائي وبلائي؟

إن لم تكن عندي وسيلة أمتّ بها إليك فوسيلتي إليك ابنتك هذه؛ فهي الصلة الباقية بيني وبينك.

فرفع القاضي رأسه ونظر إلى ابنته الصغيرة نظرة شفقة ورحمة، وقد قرر في نفسه أن لا بد له من أن ينصف تلك البائسة وينتصف لها من نفسه، غير أنه أراد أن يخلص من هذا الموقف خلوصا جميلا, فأعلن أن المرأة قد طاف بها طائف من الجنون وأن لا بد من إحالتها على الطبيب, فصدق الناس قوله.

ثم قام من مجلسه بنفس غير نفسه، وقلب غير قلبه، وما هي إلا أيام قلائل حتى هجر القاضي منصبه بحجة المرض، وما زال يسعى سعيه حتى ضم إليه ابنته واستخلص أمها من قرارتها وهاجر بها إلى بلد لا يعرفهما فيها أحد، فتزوج منها وأنس بعشرتها واحترف في دار هجرته بحرفة لولا أن أدل عليه إذا ذكرتها لفعلت، ولا يزال حتى اليوم يكفر عن سيئاته إلى زوجته بكل ما يستطيعه من صنوف العطف وألوان الإحسان، حتى نسيا ما فات، ولم يبق أمامهما إلا ما هو آتٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>