لا أحسب أنها كانت تاركتك أو مغفلة أمرك لو أن هذا السهم الذي أصابها أصابك من دونها، فاحرص الحرص كله على أن لا تكون امرأة ضعيفة أسبق منك إلى فضيلة الصدق والوفاء.
إلى من تعهد بها بعد فراقك إياها؟ وأي موطن من المواطن هيأته لمقامها؟ وماذا أعددت لها من الوسائل التي تستعين بها على شئون عيشها، وتأنس بها في وحشتها ووحدتها؟
كيف يهنأ لك عيش أو يغمض لك جفن إذا أظلك الليل فذكرتها وذكرت أنها تقاسي في وحدتها من الوحشة ما لا قبل لها باحتماله، وأنها ربما كانت تطلب جرعة ماء فلا تجد من يقدمها إليها، أو كسرة خبز فلا تجد من يدلها عليها، أو ربما قامت من مضجعها في سكون الليل وهدوئه تتلمس الطريق إلى حاجة من حاجها فأخطأ تقديرها, فصدمها الجدار في جبينها صدمة سال لها دمها حتى امتزج بدمعها.
أيها الإنسان: إن لم تكن عادلا ولا وفيا ولا محسنا, فارحم نفسك من هذا الخيال الذي لا بد أن سيساورك ويفت في عضدك ويزعجك من مرقدك، فإن لم تكن هذا ولا ذاك فغيرك أخاطب؛ لأني لا أحسن إلا مخاطبة الإنسان.