زوجة حسناء فاغتبط بها برهة من الزمان, ثم أصابها الدهر بمثل ما أصاب به زوجتك ولم يترك لها من ذلك النور الذاهب إلا مثل ما تترك الشمس من الشفق الأحمر في صفحة الأفق بعد غروبها، فلم يقنعه من الوفاء لها أن استبقاها واستمسك بها, بل كان يحرص جهده على أن لا تعلم أنه ينكر من أمرها شيئا، حتى إنه كان يعتب عليها في بعض الأحايين في ذنوب ما كان له أن يؤاخذها بها إلا من حيث كونها ناظرة مبصرة، يريد بذلك أن يلقي في نفسها أنه لا يعرف من قصة نظرها شيئا، وأنه لا يرى فيها غير ما يراه الرجال من نسائهم المبصرات؛ رفقا بها وإبقاء على ما ربما تحب أن تحاوله من الاعتداد بنفسها, والإدلال بمزاياها.
ولقد قرأت جملة صالحة من نوادر العرب في آدابهم ومكارمهم وأخلاقهم ولطف وجدانهم, فلم أر بينها نادرة أعلق بالقلوب ولا أجمل أثرا في النفوس من قول أبي عيينة الكاتب المعروف في عهد الدولة العباسية, وكان كفيف البصر "اختلفت إلى القاضي أحمد بن أبي دؤاد أربعين سنة, فما سمعته مرة يقول لغلامه عند تشييعي: خذ بيده يا غلام، بل يقول: اخرج معه يا غلام".