الإسرار والإخفاء من تاريخ ذلك اليوم الذي أسلم فيه عمر بن الخطاب فمشى إلى المسجد الحرام حيث يجتمع كفار قريش, وأعلن فيه إسلامه بين هياجهم ونقمتهم، ثم مر يقرع أبواب رؤسائهم بابا بابا فإذا فتحوا له حدثهم عن إسلامه, فضربوا الباب في وجهه غيظا وحنقا.
التمسك غير التعصب، والتهاون غير التسامح، فليس كل متمسك متعصبا؛ لأن التمسك محافظة المرء على العمل بأوامر الدين ونواهيه، والتعصب بغضه لمخالفيه في دينه بغضا يحمله على محاولة النكاية بهم، والعبث بما حقن الله من دمائهم، وصان من أعراضهم وأموالهم، وليس كل متهاون متسامحا؛ لأن التهاون ترك المرء العمل بما فرض الدين عليه أن يفعل أو أن يترك، والتسامح إغضاؤه عن خلف المخالفين له، بحيث لا يعد تلك الفروق الدينية التي بينه وبينهم وسيلة إلى بغضهم أو مناضلتهم، أو نصب الغوائل لهم، أو سد سبل العيش في وجوههم.
ولقد اعترضتُ الآراء والمذاهب حلوها ومرها، ومعوجها ومستقيمها، فلم أر رأيا أضعف حجة ولا أضل سبيلا من رأي الذي يقول: إن الدين لا يجوز أن يتجاوز عتبة المسجد، وكيف يستطيع المسلم أن ينفرد بنفسه عن دينه في موطن من المواطن،