أنه لا يشتهي الفسق ولا تجذبه إليه جواذبه، ولو اشتهاه لوقف من المواخير موقفه من الحانات، ولا تقل: إن الفاسق عاقل إن رأيته غير سارق ولا مختلس, فإنه لا يحب السرقة ولا الاختلاس، ولو أنه أحبهما لكان في تسلق الدور والقصور أبرع منه في التسلل إلى مكامن الفسق والفجور، ولا تقل: إن المقامر عاقل إن رأيته لا شاربا ولا فاسقا, فإن القمار قد استهلك شهوته واستخلصها لنفسه ولم يدع فيها فضلة لسواها، ولولا ذلك لكان أكبر السارقين وأفسق الفاسقين.
لو كنت من المصانعين الذين يزخرفون لأرباب الرذائل رذائلهم حتى يصوروها في نظرهم فضائل بما يلبسونها من أثواب التأويل، ويصبغونها من ألوان التعليل، لما استطعت أن أصانع المقامر؛ لأن حاله من الجهل الفاضح والغباوة المستحكمة أبعد الحالات عن عذر المعتذرين، وتأويل المتأولين.
أي عذر يعتذر به المعتذر عن رجل يريد أن يمشي في طريق الغنى فيمشي في طريق الفقر, والطريقان واضحان معلمان لا غموض فيهما, ولا إبهام.
ما جلس المقامر إلى مائدة القمار إلا بعد أن استقر في نفسه أن الدرهم الذي في يده سيتحول بعد برهة من الزمان إلى دينار