سحائب البغضاء لا تزال ناشرة أجنحتها السوداء على المجتمع الإنساني من أدناه إلى أقصاه شعوبا وقبائل وأجناسا وأنواعا ومذاهب وأديانا ومنازل وأوطانا, فيبغض الرجل صاحبه لأنه يخالفه في جنسه, فإن عرف أنه يوافقه أبغضه لأنه يخالفه في دينه, فإن وافقه في هذه أبغضه لأنه ينطق بغير لغته, فإن نطق بها أبغضه لأنه لا يشاركه في وطنه، فإن كان مشاركا له أبغضه لأنه يزاحمه في حرفته أو صناعته, فإن بعد عن طريقه أبغضه لأنه يخالفه في رأيه, فإن كان موافقا له أبغضه لأنه لا يحاكيه في لونه, فإن لم يجد شيئا من هذا ولا ذاك أبغضه لأنه شحص سواه، كأن قضاء حتما على الإنسان أن يبغض كل صورة غير الصورة التي يراها كل يوم في مرآته، فإذا فرغوا من النظر في جرائد حسابهم والموازنة بين حاضرهم وماضيهم أضافوا إلى سيئاتهم الماضية سيئة الغش والكذب, فتناسوا كل هذا ووضع كل منهم يده في يد أخيه مهنئا له بالعيد السعيد, داعيا له بدوام الرفاهية والسعادة ثم تنادوا للرحيل ليستقبلوا المرحلة الآتية بعد قطع المرحلة الماضية.
علام يهنّئ الناس بعضهم بعضا؟ وماذا لقوا من الدنيا فيحرصوا على البقاء فيها ويغتبطوا بقطع المراحل التي يقطعونها