للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها؟ ومن منهم يستطيع أن ينطق بلسان يصدق الحديث عما في نفسه فيقول: إنه أصبح سعيدا كما أمسى أو أمسى سعيدا كما أصبح, أو إنه رأى بارقا من بوارق السعادة قد لمع يوما من الأيام في سماء حياته, ولم ير بجانبه مثل ما يرى في الليلة البارقة من نجوم هاوية ورعود قاصفة وصواعق محرقة وغيوم متلبدة؟

بأي نعمة من النعم أو حسنة من الحسنات تمنّ الحياة على رجل يتنقل فيها من ظلمة الرحم إلى ظلمة العيش ومن ظلمة العيش إلى ظلمة القبر كأنما هو يونان الذي التقمه الحوت, فأصبح في ظلمات بعضها فوق بعض؟ وأي صنيعة من الصنائع أسدتها الأيام إلى إنسان يظل فيها من مهده إلى لحده حائرا مضطربا يفتش عن ساعة راحة وسلام يبل بها غلته, ويثلج بها صدره فلا يعرف لها مذهبا ولا يجد إليها سبيلا؟ إن كان غنيا اجتمعت حوله القلوب المضطغنة واصطلحت عليه الأيدي الناهبة، فإما قتلته وإما أفقرته، وإن كان فقيرا عد الناس فقره ذنبا جنته يداه, فتتناوله الأكف وتتقاذفه الأرجل وتتجاذبه الألسن حتى يموت الموتة الكبرى، وإن كان عالما ولع به الحاسدون واستهتروا في تزييفه والتشهير به, وأغروا بنفثاته وآثاره حتى يعطيهم عهده وميثاقه أن يعيش عالما كجاهل وحيا كميت، وأن يكتم سر علمه

<<  <  ج: ص:  >  >>