في صدره فلا يفضي به إلى لسان ولا قلم أو يموت دون ذلك، وإن كان جاهلا اتخذه العالمون مطية لا يزالون يركبونها إلى مقاصدهم وأغراضهم من حيث لا يرحمونها ولا يرفقون بها ولا يقيمون صلبها حتى يعقروها، وإن كان بخيلا ازدرته القلوب واقتحمته العيون وتقلصت له الشفاه وبرزت له الأنياب وانقبضت له الأسرة والتهبت له الأنظار وأرسلت إليه الأضغان ألسنة نيرانها حتى تحرقه، وإن كان كريما محسنا عاش مترقبا في كل ساعة من ساعات ليله ونهاره شر الذين أحسن إليهم، إما لأنه منحهم أولا ثم منعهم آخرا فهم يحاولون أن ينتقموا منه؛ لأنه أذاقهم لقمة ناعمة ما كانوا يقدرون لها في أنفسهم حسابا, فلما ذاقوها استعذبوها فاستزادوا منها فلم يجدوا ما يريدون, فتمتلئ صدورهم حقدا على تلك اليد التي هاجت بطنتهم وأشعلت نارها ثم لم تطفئها، أو لأنهم من أصحاب النفوس الشريرة الذين يشعرون كأن المحسن يريد أن يشتري منهم نفسه بما يسدي إليهم من إحسانه, فيتناولون منه الإحسان لأنهم طماعون ويطوون القلوب على الحقد عليه والموجدة له؛ لأنهم كانوا يريدون أن يتمكنوا من عرضه ينالون منه كما يشاءون, فحيل بينهم وبين ذلك.
لا سعادة في هذه الحياة إلا إذا نشر السلام أجنحته البيضاء