للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما يلاقيه من مصائب الحياة, وأرزائها لو يعمر ألف سنة.

ما أكثر هموم الدنيا وما أطول أحزانها، لا يفيق المرء فيها من هم إلا إلى هم ولا يرتاح من فاجعة إلا إلى مثلها, ولا يزال بنوها يترجحون ما بين صحة ومرض وفقر وغنى وعز وذل وسعادة وشقاء، فإذا صح لكل مهموم أن يكره حياته وكل محزون أن يقتل نفسه خلت الدنيا من أهلها واستحال المقام فيها, بل استحال الوفود إليها وتبدلت سنة الله في خلقه, ولن تجد لسنة الله تبديلا.

ما سمي القاتل مجرما إلا لأنه قاسي القلب متحجر الفؤاد، وأقسى منه قاتل نفسه لأنه ليس بينه وبينها من الضغينة والموجدة ما بين القاتل والمقتول, فهو أجرم المجرمين وأفظع القاتلين.

يخدع المنتحر نفسه إن ظن أنه مقتنع بفضل الموت على الحياة, وأنه يفعل فعلته عن روية وبصيرة فإنه لا يكاد يضع قدمه في المأزق الأول من مآزق الموت حتى يثوب إليه رشده وهداه, ويحاول التخلص مما وقع فيه لو وجد إلى ذلك سبيلا.

إن ألقى نفسه في الماء تخبط ومد يده إلى من يرجو الخلاص على يده, وود لو يفتدى نفسه بكل ما تملك يمينه، وإن أغلق على نفسه نوافذ غرفة مملوءة بغاز الفحم ود لو سقط عليه سقف

<<  <  ج: ص:  >  >>