للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من خراب دورهم، وعمران قبورهم، وغروب شموسهم واندثار آثارهم.

ثم ينتقل من ذلك إلى البكاء على نفسه وترقب ذلك اليوم الذي تصوّح فيه زهرته، وتنطفئ جذوته، وتضعف منته، ويمحو نهار مشيبه ليل شبابه؛ فيزحف إلى قبره شيئا فشيئا حتى يتردى فيه، فيعود كما كان سرا مكتوما في ضمائر الأقدار، وذرة هائمة في مجاهل الأكوان.

وهكذا ما زال يتنقل من عبرة بليغة إلى عظمة بديعة, ومن خيال جميل إلى تشبيه رقيق، ومن وصف ناطق إلى تمثيل صادق، حتى أصبحت أعتقد أن هذه النفس التي تشتمل عليها بردة هذا الشاعر الجليل مرآة صافية قد تمثل فيها هذا الكون بأرضه وسمائه، وليله ونهاره، وناطقه وصامته، وصادحه وباغمه، وأن فخار الأعراب بمتنبيها ومعريها، والفرنسة بلامرتينها وفيكتورها، والسكسون بشكسبيرها وملتونها, والطليان بدانتيها، والألمان بجيتها، والرومان بفرجيلها، واليونان بهوميرها، ومصر القديمة ببنتاءورها، ومصر الحديثة بأحمدها، لا يقل عن فخار فارس بخيامها.

<<  <  ج: ص:  >  >>