للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت أجل من أن تقاضيني كما يقاضي الدائن مدينه؛ لأنك كريم والكريم يرتجل المنحة ارتجالا، ولا يقرضها قرضا، ويسبغ نعمته حتى على العصاة والمذنبين.

وأحيانا يستشعر قلبه الرحمة بالعباد, فيبكي أحياءهم وأمواتهم ويقول مخاطبا فتاته: رويدا أيتها الفتاة في خطواتك على هذه الأعشاب, فلعل جذورها تستمد حياتها من كبد فتاة مثلك كان لها قلب مثل قلبك، ووجدان مثل وجدانك، وجمال ورُواء مثل جمالك ورُوائك، ثم ضرب الدهر ضرباته فإذا أنتِ في غلالة هذه الأشعة البيضاء، وإذا هي في دجنة تلك الأعماق السوداء، فارفقي بها واسكبي هذه الفضلة من كأسك على تربتها, علها تتسرب إلى نفسها فتطفئ ذلك اللاعج الذي يتأجج بين جوانحها.

ثم يتخيل أحيانا كأنه واقف أمام رجل خزَّاف يحرق آنيته في تنوره فيقول له: رحمة أيها الخزاف بهذه الحمأة التي تقلبها في هذه النار, فقد كانت بالأمس إنسانا مثلك، وستكون في مستقبل الأيام حمأة مثلها, وربما ساقك الدهر إلى يدي خزاف تحتاج إلى رحمته ورفقه، فارفق بها اليوم يرفق بك خزافك غدا.

وآونة يلبس ثوب الواعظ المنذر, فينعي على السعداء سعاداتهم ويذكرهم بما آلت إليه حال الملوك السالفين، والأقيال الماضين،

<<  <  ج: ص:  >  >>