للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعذرناك ولم نعتب عليك ولم نسمك جبانا ولا منهزما ولا مواليا ولا مدبرا؛ لأنك قاتلت فأبليت حتى لم يبق في غمدك سيف ولا فوق عاتقك رمح ولا في كنانتك سهم، والعدو كثير عدده صعب مراسه وافرة قوته، والشجاعة في غير موطنها جنون، والوقوف أكثر من ثمانين عاما أمام عدو لا أمل في براحه ولا مطمع في زياله عناد، وهل كان يكون مصيرك إن أنت قاتلت حتى سقطت قتيلا في المعركة إلا مصير الفلاسفة من قبلك الذين قاتلوا حتى قتلوا, فهدرت دماؤهم واغتمضت عيونهم قبل أن يروا منظرا من مناظر الصلاح والاستقامة في المجتمع البشري يعزون به أنفسهم عن أنفسهم, ويروحون به ما يجدون بين جوانحهم من ألم النزع, وفي أفواههم من مرارات الموت؟

ماذا لقيت من الدنيا, وماذا أفدت منها, وأين وقع علمك وفضلك ولسانك وقلمك وقوة عارضتك ومضاء حجتك من آثام الناس وشرورهم وقسوة قلوبهم وظلم ألسنتهم وأيديهم؟

قلت للقيصر: أيها الملك, إنك صنيعة الشعب وأجيره لا إلهه وربه، وإنك في مقعدك فوق عرشك لا فرق بينك وبين ذلك الأكَّار في المزرعة وذلك العامل في المصنع, كلاكما مأجور على عمل يعمله فيسدده، وكلاكما مأخوذ بتبعة زلله وسقطه، فكما

<<  <  ج: ص:  >  >>