للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما أغنى عنك بكاؤك وحنينك، ولا أجدى عويلك وأنينك؛ فالحرب لم تزل باقية ومصانع الموت لم يقنعها ما أعدت من المهلكات لمعارك الأرض, حتى أصبحت تعد مثلها لمعارك السماء.

فهنيئا لك أيها الرجل العظيم ما اخترتَ لنفسك من تلك العزلة المطمئنة, فقد نجوت بها من حياة لا سبيل للعاقل فيها إلا أن يسكت فيهلك غيظا, أو ينطق فيموت كيدا.

إن الحكيم يستطيع أن يحيل الجهل علما والظلمة نورا والسواد بياضا والبحر برا والبر بحرا, وأن يتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء, ولكنه لا يستطيع أن يحيل رذيلة المجتمع الإنساني فضيلة وفساده صلاحا.

ما دام الإنسان لا ينتهي عن ظلم الإنسان حتى يخافه, وما دام لا يحسن إليه إلا إذا أراد أن يتخذه عبدا يعبده من دون الله, وما دام للأثرة هذا السلطان الأكبر على أفراد المجتمع من أكبر كباره إلى أصغر صغاره, فالإنسان اليوم هو بعينه إنسان الغابات والأحراش بالأمس, لا فرق بينه وبينه إلا أنه اليوم قد أوى بشروره ومفاسده إلى بيت من الزجاج يفعل فعلاته من ورائه, ولكن الزجاج شفاف كثوب الرياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>