للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبكاك منظر المنفيين في سيبريا وما يلاقون من صنوف العذاب ويعالجون من أنواع الآلام, فصرخت صرخة دوى بها الملأ الأعلى والملأ الأدنى وقلت: أيها الناس, إن الشر لا يدفع الشر، والأشقياء مرضى فعالجوهم ولا تنتقموا منهم, فالتربية الصالحة تمحو الجرائم والانتقام يلهب نارها، واجعلوا مكان السجون مدارس ومكان السجانين معلمين، فلم يسمع صرختك سامع، ولا بكى لبكائك باكٍ، وما زال القضاة يحكمون، والجند يصادِرون، والسجانون يعذِّبون، والمسجونون يصرخون.

وأزعجك منظر الدماء المتدفقة في معارك الحروب وبكاء النساء المعولات خلف أزواجهن وأولادهن وإخوتهن وهم سائرون إلى حرب لا يعرفون لها مصدرا ولا موردا, وقد حمل بعضهم لبعض بين الجنوب ضغائن وسخائم لا سبب لها إلا ذلك الوهم الذي غرسه في قلوبهم قساة السياسة، فتخيلوا أنهم أعداء وهم أصدقاء، فتسلبوا من لباس الإنسانية ولبسوا فراء السباع وتقلدوا أظفارها وأنشب كل منهم ظفره في صدر أخيه كأنما يفتش عن قلبه, فينتزعه من مكانه فيلوكه في فمه ثم يلفظه، ذلك القلب الذي لو شق عن سويدائه لوجد لنفسه فيه مكانا عليا لولا جور السياسة وضلالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>