للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير كلامهم كلاما ولا مذهبهم مذهبا، وعصر الجاهلية فيما أعتقد هو عصر الطفولة الشعرية أي: إن الشعر كان فيه بسيطا ساذجا لم يهذبه العلم ولم تصقله الحضارة ولم تصل به أشعة الخيال, فتنير ظلمته، فهو وإن كان أصدق الشعر وأجدره أن يكون صفحة صحيحة لتاريخ عصره ولكن قلما يستفيد شاعر الحضارة من أكثره أكثر من المادة اللغوية، وما الفرق بين شعر الجاهلية وشعر طبقة المحدثين والمولدين من بعده إلا كالفرق في الموسيقى بين نغمات الحداة في أعقاب الإبل, ونغمات الضاربين على أوتار الأعواد والبرابط في عصر الحضارة الإسلامية، وعندي أن للنزعة التاريخية سلطانا على نفوس المولعين بالشعر الجاهلي أكثر من النزعة الفنية, فمثلهم كمثل المولعين بالعاديات الذين يؤثرون حجر الجرانيت على حجر الماس, ويعجبهم منظر هرم خوفو أكثر مما يعجبهم منظر برج إيفل، وراوية همه في حياته أن يدور بيده ليله ونهاره في زوايا رأسه عله يعثر ببيت لا يعرفه غيره منسوبا إلى قائل لا يعرف نسبته إليه سواه, ثم لا يبالي بعد ذلك أحسن أم أساء، فهو بالمؤرخ أشبه منه بالأديب، وأديب جمع ما جمعه لعصر غير عصرك وقوم غير قومك وحال ومجتمع غير حالك ومجتمعك, فإن أفادك قليله لا ينفعك كثيره، وأحسب أن ما جمعه

<<  <  ج: ص:  >  >>