من الشعر بالحماسة ووصف الحروب وأسلحتها ودمائها وغبارها وأشلائها ووصف الإبل في مباركها والشاء في حظائرها والأبقار في مراتعها هو آخر ما يحتاج المتأدب إلى النظر فيه في هذا العصر، وبين مطيل قد خلط جيده برديئه وغثّه بسمينه فلا تصل يدك إلى ما في منجمه من ذرات التبر حتى تنبش عنها ما لا قبل لك باحتماله من حقائب الرمل, ومقصر يختص بالاختيار عصرا دون عصر أو فردا دون فرد أو قوما دون قوم أو بابا من أبواب البيان دون باب, وهو يعلم أن المتأدب شاعرا كان أو كاتبا لا يكمل أدبه ولا تصفو قريحته ولا تلمع صفحة بيانه ولا تنحل عقده لسانه إلا إذا تمهل في روض البيان, فاقتطف ألوان زهراته من أنواع شجراته، وأن الشاعر لا يغنيه المدح والهجاء عن البكاء والرثاء، ولا العتاب والود عن التشبيه والوصف، ولا البكاء على المنازل والديار وفراق الأحبة وموت الموتى عن البكاء على المجد الضائع، والملك الساقط، والعرض المغلوب، والشرف المسلوب، كما لا يغنيه وصف السيف في رونقه وبهائه عن وصفه في حدته ومضائه، ولا وصف البدر في جماله ورُوائه عن وصفه في عزته وخيلائه، ولا تشبيه قوادم الحمامة عن تشبيه ذنب القطاة، ولا تصوير ذكاء الفيل عن تمثيل إحساس النملة، وأن الكاتب لا يبلغ