وسنابكها فلا تحميهم، وهنالك ترى أولئك القوم الذين يسمون أنفسهم مجاهدين أو فاتحين أو قوادا عظاما أو سواسا كبارا يمشون بين بيوت المسلمين ومجامعهم مشية الفرح المختال, وينظرون إلى أولئك القوم الذين سرقوا حريتهم واستقلالهم, وانتهبوا أرواحهم وأموالهم نظر السيد إلى مولاه الذي ملك ولاءه بماله واستعبده بفضله وإحسانه، وربما رموا إليهم في تلك الساعة بلقيمات كتلك التي يلقيها سيد الكلب إلى كلبه, أو صاحب الماشية إلى ماشيته ليشهدوا العالم الإنساني بأجمعه على كرمهم وسخائهم وعطفهم ورحمتهم, وأنهم ما سفكوا الدماء ولا قطعوا الأوصال ولا يتموا الأطفال ولا انتهكوا الحرمات إلا خدمة للإنسانية العامة, وإجلالا لشأنها.
لا أحسب أن مسلما دخل الإيمان قلبه فملأه رحمة وإحسانا وعطفا وحنانا يستطيع أن يتخذ لجنبه في ظلمة الليل مضجعا, أو يجد لنفسه في ضحوة النهار قرارا حزنا على هؤلاء المنكوبين الحائرين الذين يدورون بأعينهم في مشارق الأرض, ومغاربها يتلمسون ناصرا يعينهم على أمرهم, أو منجدا يدفع عنهم عادية البلاء فلا يجدون إلا أمما إسلامية قد أصابها مثل ما أصابهم من قبل, فهي تعجز عن النظر لنفسها فأحرى أن تعجز عن النظر لغيرها, فلم يبق بين أيديهم من الأمل إلا تلك الرحمة التي يعتقدون