للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أكثر معانيه البديعة طريق اللفظ المصنوع والأسلوب المزخرف, فثغر في الشعر العربي ثغرة ألح عليها السائرون على أثره من بعده بأظفارهم, وأنيابهم حتى صيروها بابا أفوه لا يمنع ما وراءه, ولا يدفع ما أمامه, فأصبح الشعر على عهد ابن حجة وابن الفارض وابن مليك والصفدي والسراج والجزار والحلي وأمثالهم أشبه شيء بتلك الآنية الفضية أو الصينية التي يضعها المترفون في زوايا مجالسهم وعلى أطراف موائدهم ظهرا زاهيا وبطنا خاويا, لا تشفي غلة ولا تبض بقطرة ولا تسمن ولا تغني من جوع، ثم جاء على أثر هؤلاء من تدلى إلى منزلة أدون من هذه المنزلة, فجاءوا بشيء هو أشبه الأشياء بتلك المقاييس والتفاعيل التي وضعها الخليل ميزانا للشعر, لا يروق لفظها ولا يفهم معناها.

وعلى هذا المورد الوبيل وقف الشعر بضعة قرون وقفة لا يتزحزح عنها, ولا يتحلحل حتى أنزل الله إليه من ملائكة البيان رسلا في هذا العهد الأخير, أخذوا بيده ونشروه من قبره, ونفضوا عنه غباره فأصبحنا نرى في أبراد الكثير منهم أجسام أبي نواس وأبي عبادة وأبي تمام والشريف وبشار, لا فرق بينهم وبينهم إلا أن هؤلاء مقلدون يتبعون الآثار، وأولئك مبتدعون يفترعون الأبكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>