أبواب تلك الدور التي سلب خوفها العاقلين عقولهم وأطار طائر الاغتماض عن أجفانهم ونغص عليهم ما يتمنون أن ينعموا به من مطاعمهم ومشاربهم والتي يفد إليها كل يوم وفود البشر محمولين على أيدي آبائهم وأمهاتهم ليقدموهم بأنفسهم هدايا ثمينة إلى الدود, ثم يخلون بينهم وبينه يأكل لحومهم ويمتص دماءهم ويتخذ من أحداق عيونهم ومباسم ثغورهم مراتع يرتع فيها كما يشاء بلا رقبى ولا حذر من حيث لا يملك مالك عن نفسه دفعا, ولا يعرف إلى نجاة سبيلا.
مرت بخاطري تلك الذكرى فملكت علي نفسي حتى ذهلت عن موقفي وأنستني الحيرة في أمر نفسي الحيرة في أمر صديقي وفيما ساقه إلى هذا الموطن, وأين يذهب وماذا يريد وعم يفتش، ثم استفقت فرأيته جاثيا فوق قبر من تلك القبور جثو العابد أمام معبده, فدلفت إليه حتى دنوت منه فسمعته يقول:
اللهم إنك تعلم أني ما كفرت بنعمتك ولا خفرت ذمتك ولا هتكت حرمة من حرمك ولا نزلت عند سخطك ولا تبرمت بقضائك وقدرك, وأنك جازيتني فأحسنت جزائي ووهبتني تلك الفتاة فكانت كل ما أفدت من نعيم هذه الحياة وهنائها, ثم لم تلبث أن سلبتنيها وشيكا أشوق ما كنت إليها وإلى قضاء