بينهما إلا تلك الصلة الاصطلاحية التي لا سبب لها إلا اعتياد الناس أنهم ينظمون ما يشعرون، وتلك الصلة هي التي خلطت بينهما وعمَّت على كثير من الناس أمرهما، وهي التي أدخلت النظامين في عداد الشعراء وألقت عليهم جميعا رداء واحدا لا يستطاع معه التمييز بينهما إلا للقليل من الناقدين المستبصرين، فأصبحنا نقرأ لبعض المعاصرين القصيدة ذات المائة بيت فلا نجد بيتا, ونتصفح الديوان ذا المائة قصيدة فلا نعثر بقصيدة وأصبحنا لا نكاد نجد بيننا قارئا غير شاعر؛ لأنه لا يوجد في الناس شخص واحد يعجزه تصور تلك النغمة العروضية, وتصويرها حتى العامة والأميين.
ولقد كتب الكاتبون في تعريف الشعر وافتنوا في ذلك افتنانا بعد به عن مكانه، وعندي أن أفضل تعريف له أنه "تصوير ناطق" لأن قاعدة الشعر المطردة هي التأثير، وميزان جودته ما يترك في النفس من الأثر، وسر ذلك التأثير أن الشاعر يتمكن ببراعة أسلوبه وقوة خياله ودقة مسلكه وسعة حيلته من هتك ذلك الستار المسبل دون قلبه, وتصوير ما في نفسه للسامع تصويرا يكاد يراه بعينه ويلمسه ببنانه, فيصبح شريكه في حسه ووجدانه يبكي لبكائه ويضحك لضحكه ويغضب لغضبه ويطرب لطربه ويطير