للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينها وبين ابنتها، قال: يا سيدي, ما زالت الفتاة منذ فارقت أمها تبكي عليها بكاء مرا, وتهتف باسمها في يقظتها ونومها حتى سقطت مريضة لا ينفعها طب ولا ينجع فيها دواء، فلما رأيت أنها وصلت إلى الحالة التي تراها جئت بها إلى أمها, أرجو أن تجد بين ذراعيها شفاء من دائها، قلت: ذلك موكول إلى القضاء ولا يعلم الغيب إلا الله، ثم تقدمت نحو الفتاة فرأيتها تجود بنفسها فاحتملتها برفق حتى وضعتها بين ذراعي أمها, فما هو إلا أن هتفت الفتاة بأمها والأم بفتاتها حتى فاضت نفساهما معا, كأنما كانتا من الردى على ميعاد.

الآن وقد عدت من دفن الشهيدتين وجلست لكتابة هذه السطور, أشعر أني لا أكاد أمسك قلمي من الاضطراب, ولا مدمعي عن الانفجار حزنا على تلك البائسة المسكينة, لا بل حزنا على جميع البائسات من النساء اللواتي يقتلهن الرجال كل يوم صبرا من حيث لا يجدن راحما يأخذ بأيديهن، ولا ثائرا يثأر لهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>