للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها ولا عينا تبكي عليها، وقد مر بي بعد ذلك نيف وعشرون ليلة لا يرقأ لي دمع ولا يهدأ بي مضجع، حتى إذا اختلست من يد الظلام نعسة تراءت لي الفتاة كأنها في فراشها مريضة تهتف باسمي, وكأن أباها يوسعها ضربا وتعذيبا وكأنني أحاول أن أستنقذها فلا أجد إليها سبيلا، وها أنا ذا أشعر أن سحابة الموت السوداء تغشّي على بصري, وأنني مفارقة هذا العالم قبل أن أنظر إلى فتاتي نظرة أتزودها في سفري إلى تلك الدار.

وما وصلت من حديثها إلى هذا الحد حتى جرضت بريقها وحشرجت أنفاسها وشطر بصرها فجثوت عند سريرها أدعو لها الله أن يعينها على أمرها, ويمدها برحمته وإحسانه، فإني لكذلك وقد استغرقت في هذا المشهد الذي بين يدي استغراق العابد في هيكله إذ رأيت في خلال الدموع التي كانت تزدحم في عيني شبحا منتصبا عند باب الغرفة, فتأملته فإذا رجل يحمل بين يديه فتاة صغيرة فتقدمت إليه فرأيته خاشعا مستكينا ينظر إلى تلك التي يحملها نظرات الوجد والرحمة, ورأيت الفتاة كأنها خرقة بالية ملقاة لا يتحرك لها عضو, ولا ينبض منها عرق فقلت: من أنت وماذا تريد؟ قال: أنا زوج هذه المرأة ووالد هذه الفتاة، قلت: لعلك جئت تستغفر هذه البائسة المسكينة من ذنبك إليها في التفريق

<<  <  ج: ص:  >  >>